إشكالية تدبير واستثمار الجماعات الترابية للعامل البشري في ضوء مسلسل الإصلاح الإداري بالمغرب

ذ. عبد الحق الحطاب
باحث في الشؤون القانونية
فاعل جمعوي وناشط حقوقي
عضو المركز المتوسطي للدراسات القانونية والقضائية
الكاتب العام للمنتدى الوطني لأطر الإدارة القضائية الباحثين
أخذ
موضوع إصلاح اﻹدارة المحلية حيزا كبيرا من المناقشات
وقطع مشوارا لا يستهان به ترجمه واقعيا الزخم الهائل من اﻟقوانين منذ فترة الاستقلال
إلى حدود الآن، إلا أنها بقيت رﻫﻴﻨـــﺔ الاصلاحات المتواصلة ﻣـــﻊ القصور في أداء ﺧــدﻣﺎت
اﻹدارة المحلية. ﻟـذا أﺻـــﺒﺢ ذا أهمية نوعية لدى الدولة تأهيل البنية الإدارية والبشرية للوحدات الإدارية من خلال العمل على خلق طرق جديدة وحديثة لتنمية هذه الأخيرة وكذا الحرص على تكوين العامل البشري بها.
وكما لا يخفى على أحد، فقد عرفت الإدارة العمومية مجموعة من المبادرات
الإصلاحية المتتالية منذ حصول المغرب على استقلاله إلى اليوم، ويعتبر تقرير البنك الدولي لسنة 1995 مرحلة مفصلية أماطت اللثام عن تشخيص واقعي لحال الإدارة العمومية المغربية، وقد عدد هذا التقرير أمراضها في تعقد المساطر وعدم عنايتها بالتواصل والاستقبال وضعف مواكبتها لمناهج التدبير الحديث وتعقد هياكلها وتأخرها في مسلسل اتخاذ القرار وضعف الانتاجية.
وتوالت بعد هذا التقرير مجموعة من المحطات الأساسية والبرامج الإصلاحية لدعم تأهيل الإدارة العمومية انسجاما مع متطلبات العصر ومع روح التغيير.
وأبرز هذه المحطات، تتعلق بانبثاق دستور جديد لسنة
2011 بنفس اصلاحي، من خلال اعطائه إشارات واضحة لإحداث قطيعة مع كل الممارسات التي كانت تسقم جسم الادارة المغربية. وتعتبر الحكامة الجيدة من أقوى المفاهيم التي ركز عليها لتغيير أنماط التدبير الإداري وتبني أساليب جديدة قائمة على تبسيط المساطر الادارية وجودة الخدمات المقدمة.
ووعيا من جلالة الملك بأهمية مرحلة ما بعد دستور فاتح يوليوز
2011، فقد أولى مكانة خاصة في خطبه لإصلاح الادارة العمومية، وبرز ذلك بشكل جلي في أكثر من مناسبة وخطاب، ولعل الخطاب الذي ألقاه يوم الجمعة 14 أكتوبر 2016 بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان خير دليل على ذلك، إذ اختار جلالته هذه المناسبة للحديث عن اصلاح الادارة العمومية وتحسين علاقتها بالمواطن، مؤكدا جلالته بهذه المناسبة على ضرورة القيام بثورة داخل الإدارة العمومية لكسر تلك الصورة التقليدية للعلاقة بين المواطن والإدارة من خلال تغيير السلوكيات والعقليات لأجل مرفق عمومي فعال في خدمة المواطن.
ويقول جلالته في هذا الصدد "....إن المرافق والإدارات العمومية، تعاني من عدة نقائص، تتعلق بالضعف في الأداء، و في جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين.
كما أنها تعاني من التضخم ومن قلة الكفاءة ، وغياب روح المسؤولية
لدى العديد من الموظفين...".
هذه الاختلالات
محط إجماع كل المغاربة،
يلامسونها بشكل جلي في كل فرصة لطلب الخدمات العمومية، خدمات تتراوح بين التماطل في تلبيتها وبين الزبونية في الحصول عليها وبين التعقيد والتعسير في كيفية الوصول اليها، خدمات وراءها بنيات ادارية عتيقة مهترئة وعقليات متحجرة بئيسة همها الدفاع عن مصالحها الشخصية الضيقة ومقاومة التغيير بنفس الجمود والعدمية.
جلالة الملك يعود مرة أخرى بتاريخ 29 يوليوز 2017 بمناسبة الذكرى 18 لتربعه على عرش أسلافه المنعمين، ليسلط الضوء في جانب من خطابه لمحدودية أداء الادارة العمومية وآثار ذلك على تنمية المغرب.
ويقول جلالته،"....إن من بين المشاكل التي تعيق تقدم المغرب، هو ضعف الإدارة العمومية، سواء من حيث الحكامة، أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين....".
وقد استعرض جلالته بشكل مستفيض لأزمة الادارة العمومية التي تعود بالأساس إلى مقاومة العقليات لروح التغيير، وإلى ضعف التنفيذ والإبداع، وعدم الاهتمام بالتواصل واستقبال المواطنين والتفاعل مع ملاحظاتهم
وشكاياتهم وتظلماتهم، وعدم التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ويؤكد جلالته في هذا السياق "....لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ ( ربط المسؤولية بالمحاسبة )، فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب ان يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة.....".
لقد وضع جلالته بخطابه هذا، خارطة طريق لوضع الإدارة العمومية على سكتها الصحيحة، لاسيما وأن النموذج المغربي الاقتصادي بلغ مرحلة من النضج تجعله مؤهلا للحاق بنادي الدول الصاعدة، في مناخ يتميز بالعولمة الاقتصادية.
وفي اعتقادنا،
فالإدارة العمومية المغربية ستبقى غير قادرة على استيعاب ومواجهة المهام والأدوار الطلائعية الجديدة المنوطة بها، ما لم تتحرر من الروتين والبطء، وما لم تجدد نفسها وتعقلن مساطرها، وتواكب مستجدات الارتقاء الإداري.
وفي هذا الإطار، هناك العديد من المقترحات والتي بدون شك سيكون لها الأثر الملموس على النهوض والارتقاء بالمرفق العمومي خدمة لتنمية المغرب على جميع الأصعدة، وهي:
تثمين الرأسمال البشري وتمكينه وتنميته باعتباره جزءا لا يتجزأ من الركائز الاساسية للنهوض بالموارد البشرية وتحفيزها وتشجيعها على بذل المزيد من العطاء؛
ايلاء أهمية خاصة لمحاربة كل أشكال الفساد، وعيا بآثاره السلبية على الاقتصاد الوطني، من خلال تقوية أدوار مؤسسات الرقابة وتكريس استقلالها وتفعيل توصياتها؛
باعتبار الحكامة نهجا ونمطا في التدبير، فإن الارتكاز على هذا المقاربة الناجعة في التدبير يؤسس لإدارة الحكامة الجيدة كإدارة مواطنة تتسم بالنجاعة والمردودية وتتميز بخصائص التدبير الحديث من تخليق وشفافية وترشيد وعقلنة وانفتاح وتواصل وتحفيز، ويؤدي كل العاملين فيها وظائفهم وفق مبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة؛
وضع ميثاق وطني للاتمركز الإداري، يعتمد المقاربة الترابية ويستجيب للأهداف المرتبطة بدعم الحكامة المحلية وتطوير الخدمات الإدارية ومواكبة الجهوية المتقدمة؛
إصدار ميثاق المرافق العمومية طبقا للفصل 157
من الدستور، يحدد قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجماعات الترابية والأجهزة العمومية، ويهدف إلى تكريس المساواة والاستمرارية والحياد وتيسير الولوج إلى الخدمات العمومية؛
تلك أهم مداخل إصلاح الادارة العمومية للنهوض بجودة الخدمات العمومية، تغييرا للصورة النمطية لهذه الادارة في مخيال المجتمع، وكسبا للرهان الذي يفتح افاقا رحبة للمغرب لتحسين موقعه في الخارطة العالمية للتنمية بمختلف أبعادها ومستوياتها.
المطلب الأول الإكراهات والتحديات المتعلقة بالموارد البشرية
المطلب الثاني الإكراهات والتحديات المتعلقة بالبنيات الإدارية
المطلب الأول الإكراهات والتحديات المتعلقة بالموارد البشرية
إن محاولة معالجة أﺳـﺎﻟيب وﻃـرق تحسين البنية الإدارية للجماعات الترابية للوصول إلى ﺧدﻣﺎت
ذات جودة عالية تقدم لعموم المرتفقين والمواطنين يتطلب نهج مقاربة خاصة وذلك باﻹﺳـﺘﻨﺎد إلى نظام محلي ﺮاشد مزود بوسائل ﻣﺎدﻳــﺔ وﺑﺸـــﺮﻳﺔ
ﺗﺘﻤﺎﺷــﻰ ومتطلبات التسيير والتدبير العصري المعمول به حاليا، وتطلعات اﻟﺘﻨﻤﻴــﺔ المحلية المستقبلية.
إن ﻛﻔــﺎءة
اﻹدارة الترابية المحلية وﻓﻌﺎﻟﻴﺘﻬــﺎ يتطلب ﺟﻬــﺎزا ﻓنيا وإداريا ذات الخبرة واﻟﺘكوين واﻟــﺘﺤﻜﻢ ﰲ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴــﺎ ﻣــﻦ تخطيط وﺗﻨﻈﻴﻢ وإﺷﺮاف وﻣﻮارد ﻣﺎﻟﻴﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ وﻣﺴﺘﻘﻠﺔ . - ﻻ ﻣﺒﺎﻻة بعض المسؤولين اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﺘﻔﻮن بالعمل اﻟﻘﻠﻴﻞ والمحدود، اﻟﺬي ينعكس سلبا على وﺿﻊ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ
المحلية، ﻫــﺬا ﻣــﺎ ﺗﺸــﻜﻮ ﻣﻨــﻪ ﺟــﻞ اﻹدارات، ﻟــﺬا ﻻ ﺑــﺪ ﻣــﻦ ﺗﻐﻴــﲑ ﻣﻔﻬــﻮم اﻟﺮﻗﺎﺑــﺔ ﻟــﺪى اﻟﻮﺻــﺎﻳﺔ اﻟــﱵ ﻣﺒــﺪأﻫﺎ اﻟﻌﻤــﻞ وإﲣــﺎذ اﻟﻘــﺮار وﺗﻌﺰﻳﺰ اﻹﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ
واﳊﺮﻳﺔ .
وﺗﺸــﻜﻞ الحكامة الجيدة ﺷــﺮطا ﺟــﻮﻫﺮيا ﻟﻠﺘﻨﻤﻴــﺔ اﻹﻗﺘﺼــﺎدﻳﺔ واﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻋﻠــﻰ اﳌﺴــﺘﻮى المحلي، ﻛأداة ﻓﻌﺎﻟــﺔ تمكن
اﻹدارة اﶈﻠﻴﺔ ﻣن تحقيق أدوارﻫﺎ
ﺑﺄﻛﻤﻞ وﺟﻪ. ومن ثمة، يجب أن ﺗﻜﻮن اﻟﻌﻼﻗﺔ بين الدولة واﻹدارة المحلية ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺘﻜﺎﻣﻞ وﻻ اﳌﻮاﺟﻬﺔ وذﻟﻚ
ﺑﺎﻟﺘﻌﺮف ﺑﻮﺿﻮح ﻋﻠﻰ اﳌﻬﺎم
اﳌﺴﻨﺪة إﻟﻴﻬﻤﺎ وتحديدﻫﺎ بدقة ﺗﺎﻣﺔ ﻟﺘﻔﺎدي التداخل
ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ.
رغم الأهمية التي تحتلها الإدارة المحلية الذاتية الخاصة بالجهة فإن معظم الجهات لا تتوفر على هياكل إدارية خاصة بها كما أن القانون الجهوي اقتصر فقط على الإشارة إلى الكاتب العام والمكلفين بمهمة وأيضا المكلفين بالدراسات فعدم إصدار نصوص تنظيمية المكملة لقانون الجهة وفي هذا المجال بعد أحد السلبيات هذا القانون التي لا تشجع المجلس الجهوي على القيام باختصاصاته على الوجه الأكمل.
كما يعاني المستوى الجهوي أيضا من وجود تقصير في التشريع المرتبط بضرورة انتخاب المستشار الجهوي سواء وهو يمارس المهمة التداولية أو التسييرية
الأمر الذي يؤثر سلبا على مردودية العمل الجهوي ويعيق المجالس الجهوية في الاستجابة
إلى الحاجيات لدى الساكنة.
ويتجلى القصور التشريعي المرتبط بالمنتخب الجهوي في مسألتين وهما:
- مسألة التعويضات: كأن القانون غامض بعض الشيء في تحديدها إذلم يعممها على جميع أعضاء المجلس وقد يكون هذا الدافع الأساسي وراء ارتفاع عدد التغيبات خصوصا في أعمال اللجان التي تشكل العمود الفقري للعمل الجهوي.
- على مستوى التفرع لشؤون الجهوية: إذ أفرز القانون وضعية غير متوازنة في هذا الصدد جعلت الممارسة المحلية تقوم على أساس جمع المنتخب بين عدة انتدابات ومأموريات ومهمات تثقل كاهله بالمسؤوليات دون أن تكون له القدرة على الاضطلاع بها.
إن عملية تأهيل وإعادة الهيكلة الخاصة بالبنية الإدارية للجماعات الترابية مجرد وسيلة رئيسية تساهم في بلوغ مجموعة من الأهداف الجوهرية وعلى رأسها الرفع من نسبة الكفاءة والأداء لدى الأطر والموظفين والمنتخبين والفاعلين في المجال الترابي سواء في الجماعات والجهات والأقاليم والعمالات حتى يتم التغلب على كل العوامل التي تحد من الإنتاجية، وذلك من خلال إحداث تغييرات جذرية تهم الأساليب والمفاهيم الإدارية السلبية السائدة، وفي كل ما يرتبط بها ويتفاعل معها من عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية .
ولهذا، فالقوانين التنظيمية الجديدة الرامية إلى الحكامة الترابية تستوجب حسن إدارة وترشيد استخدام الموارد الوطنية المتاحة والمحتملة، وتكريس مبادئ الكفاءة والفعالية والإنتاجية في أجهزة الوحدات الإدارية وتدعيم التنظيم القطاعي والتخطيط الجهوي والإقليمي بما يحقق تحويل الدولة إلى مجموعة من الكيانات الاقتصادية والوحدات الإدارية المنتجة .
ومن المعلوم أن غالبية الدول الحديثة النامية منها والمتقدمة
تعمل بنشاط في ميدان إعادة الهيكلة الإدارية ، ذلك أن إدارة الوحدات الإدارية كالجماعات الترابية والجهات لم تعد ترتكز على الارتجالية
أو الاجتهادات الشخصية أو الفردية ، بل أصبحت تستند إلى أسس علمية في التدبير ومبادئ ثابتة ومعترف بها في التسيير ومنطقية ومعقلنة متوافق عليها عالميا ، وتهدف بصفة رئيسية إلى تطوير الإدارة بما يتلاءم وطبيعة أهداف وتطلعات المجتمعات الحديثة وبالتالي رفع مستوى أداء الخدمة العامة لمرافق الدول، والقضاء على مظاهر الروتين والضعف والبطء في المردودية
، وسوء إدارة الموارد.
من الناحية النظرية، يحفل الحقل الإداري المعاصر بكم هائل من الأبحاث والدراسات الداعية إلى إعادة الهيكلة والتنظيم بالنسبة للوحدات والأجهزة الإدارية للتغلب على مجمل القيود التي تحد من حركتها وفعاليتها. ويستند البناء العلمي النظري لعادة الهيكلة إلى فرضية أساسية مفادها أن الدارة هي في المقام الو ل أداة للتغيير تهدف إلى تحقيق التحول أو الانتقال من وضع سائد ضعيف إلى وضع جديد فاعل، وذلك من خلال ربط أجزاء النظام الإداري وجعلها ذات قدرة فائقة على التأثير في الوضع المحيط بها. وبصورة إجمالية، فإن مفهوم إعادة الهيكلة يتبلور من خلال عدة أبعاد، أبرزها ما يلي :
-إحداث التغييرات الهيكلية للتخلص من القيود الإدارية التي تعيق المردودية والإنتاجية،
وتبني الأساليب المتطورة التي تكفل ترشيد اتخاذ القرارات، وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة أخذا في الاعتبار النفقة والعائد وإعادة النظر في مفهوم الوظيفة العامة وتغليب منطق الخدمة والعائد فيها على منطق السلطة وتعميق سياسة اللامركزية عن طريق تفويض الصلاحيات الكافية لكل مستوى إداري بما يتناسب وطبيعة الأنشطة التي يمارسها وحجم المسئوليات الملقاة عليه.
ونلاحظ أن المشرع المغربي يحاول نهج هذا الأسلوب للرفع من مردودية الإدارة الترابية المحلية والجهوية بالرغم من كون المغرب لا يتوفر على نص قانوني شامل ينظم أحكام التفويض وضوابطه وآثاره القانونية بكيفية دقيقة ، ولعل الحكمة في ذلك أن القواعد التي تحكم التفويض تعتبر من المبادئ العامة للقانون الإداري، وحتى لو تم وضع نص خاص به فإنه لا يمكن إلا أن يكرس هذه المبادئ العامة.
ومن أهم الغايات المنشودة من اعتماد التفويض كطريقة لتسيير المرافق الإدارية نجد تحقيق النتائج المسطرة عن طريق تفويض بعض الصلاحيات
والسلطات لنواب رئيس المجلس ومرؤوسيه لتحفيزهم بهدف تنفيذ الأعمال التي هي من صميم مسؤوليات المفوض بالمستوى المطلوب.
فللتفويض مزايا عدة فإلى جانب أنه يخفف العبء عن الرئيس صاحب الاختصاص الأصلي عبر قيامه بنقل جزء من اختصاصه في مسألة معينة إلى أحد مرؤوسيه أو مساعديه، فهو يؤدي من جانب آخر إلى تحقيق السرعة والمرونة في أداء الأعمال مما يسهل على الأفراد قضاء مصالحهم ويدرب المرؤوسين على القيام بأعمال الرؤساء، فينمي فيهم الثقة والقدرة على القيادة.
لقد توخى المشرع من جواز التفويض من خلال مقتضيات القانون التنظيمي للجماعات الترابية عدة أهداف وغايات نبرز بعضها فيما يلي :
1-إشراك أعضاء المكتب وفئة من الموظفين في تسيير الشؤون المحلية:
إن فلسفة التفويض تعتمد في أساسها على إشراك نواب الرئيس وفئة خاصة من الموظفين في تحمل مسؤولية تسيير الشؤون المحلية الشيء الذي يمكن من ضمان مردودية أحسن وفعالية أكثر لسير مختلف المرافق الجماعية.
فلا شك أن احتكار المسؤولية من لدن الرئيس يترتب عليه لا محالة اضطراب سير هذه المصالح وبطئها وعدم فعاليتها خاصة وأن الرئيس غير متفرغ، ثم إن نوابه لا يملكون من الناحية القانونية أي مهام أو اختصاصات خاصة بهم فمؤسسة الرئيس هي المؤهلة وحدها لتسيير الجماعة.
2-احتواء النزاعات داخل المكتب:
إن إشراك رئيس المجلس لمساعديه في تحمل المسؤولية يشكل إحدى الآليات القانونية التي تمكن من احتواء أو على الأقل التخفيف من التوترات والنزاعات التي قد يعرفها المجلس. ولا شك أن إشراك الرئيس لمساعديه في تدبير شؤون الجماعة يسهل مأموريته في تدبير الشأن المحلي ويجنبه عواقب الخلافات التي قد يثيرها مساعدوه في حالة احتكاره للسلطة.
3-عدم تركيز السلطة:
إن تركيز السلطة بيد رئيس المجلس يؤدي حتما إلى إغراقه في التفاصيل والجزئيات وزيادة مسؤولياته وأعبائه، لذا فإن آلية التفويض تسمح بتوزيع السلطة داخل المكتب، الشيء الذي يساعده في حسن سير العمل ويرفع من مردوديته،
كما يؤدي إلى تخفيف الأعباء والمسؤوليات التي يتحملها رئيس المجلس .
4-تدريب أعضاء المكتب على تحمل المسؤولية :
ويسمح التفويض بالتدرب على القيام ببعض الاختصاصات المخولة للرئيس مما يؤدي إلى زيادة قدراتهم وكفاءتهم وتأهيلهم في ممارسة الشأن المحلي.
5-ضمان استمرارية المرافق الإدارية:
يعتبر التفويض إحدى الآليات التي تسمح بضمان سير المرفق العام الجماعي وتفادي ما يمكن أن يترتب عن ذلك من نتائج وخيمة على مصالح الجماعة والمواطنين على حد سواء في حالة ما إذا تغيب الرئيس أو عاقه عائق لأي سبب من الأسباب.
وهكذا، نجد المشرع في مقتضيات القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات
أطر التفويض في مجموعة من المواد على سبيل المثال نذكر:
المادة 102 التي نصت على ما يلي:
"يعتبر رئيس مجلس الجماعة ضابطا للحالة المدنية. ويمكنه تفويض هذه المهمة إلى النواب كما يمكنه تفويضها أيضا للموظفين الجماعيين طبقا لأحكام القانون المتعلق بالحالة المدنية.
يقوم، طبق الشروط المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، بالإشهاد على صحة الإمضاء ومطابقة نسخ الوثائق لأصولها. ويمكنه تفويض هذه المهام إلى النواب وإلى المدير العام أو المدير، حسب الحالة، ورؤساء الأقسام والمصالح بإدارة الجماعة " .
المادة 103 التي أطرت التفويض في الإمضاء والتفويض في المهام، حيث نصت على ما يلي: "يجوز
لرئيس المجلس تحت مسؤوليته ومراقبته أن يفوض إمضاءه بقرار إلى نوابه باستثناء التسيير الإداري والأمر بالصرف. ويجوز له أيضا أن يفوض لنوابه بقرار بعض صلاحياته شريطة أن ينحصر التفويض في قطاع محدد لكل نائب، وذلك مع مراعاة أحكام هذا القانون التنظيمي."
المادة 236 التي أكدت على ما يلي :
"ينفذ رئيس مجلس المقاطعة مقررات مجلس المقاطعة ويتخذ التدابير اللازمة لهذا الغرض ويسهر على مراقبة تنفيذها. ويمارس رئيس مجلس المقاطعة الصلاحيات المفوضة له من طرف رئيس مجلس الجماعة تحت مسؤولية هذا الأخير ولا يمكنه تفويضها لأعضاء مكتب مجلس المقاطعة. يمارس رئيس مجلس المقاطعة كذلك صلاحيات في مجال التدابير الفردية المتعلقة بالشرطة الإدارية داخل حدود المقاطعة في المجالات التالية: تلقي التصاريح المتعلقة بمزاولة الأنشطة التجارية والحرفية غير المنظمة؛ تلقي التصاريح المتعلقة بفتح المؤسسات المضرة أو المزعجة أو الخطيرة المرتبة طبقا للتشريع الجاري به العمل في الصنف الثالث.
ويمكن لرئيس مجلس الجماعة أن يفوض لرئيس مجلس المقاطعة بعض صلاحياته في مجال التدابير الفردية للشرطة الإدارية، غير أنه، وعندما يمنح تفويض لرئيس مجلس المقاطعة،
يخول، بحكم القانون، نفس التفويض إلى باقي رؤساء مجالس المقاطعات بطلب منهم. في الحالات التي يتم فيها، لأي سبب من الأسباب، سحب التفويض المذكور يجب أن يكون قرار السحب معللا."
المادة 66 التي كرست الفصل بين المهام التداولية والمهام التنفيذية حيث ألزمت المستشارين الجماعيين غير المنتمين إلى المكتب بعدم ممارسة المهام الإدارية والتدخل في تدبير المصالح الجماعية وذلك باستثناء دورهم التداولي داخل المجلس واللجان التابعة له.
وفي حالة الإخلال يتم تطبيق مقتضيات المادة 64 التي تنص على أنه " إذا
ارتكب عضو من أعضاء مجلس الجماعة غير رئيسها، أفعالا مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل تضر بأخلاقيات المرفق العمومي ومصالح الجماعة قام عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه عن طريق رئيس المجلس بمراسلة المعني بالأمر للإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليه داخل أجل لا يتعدى
(10) أيام ابتداء من تاريخ التوصل.
يجوز للعامل أو من ينوب عنه، بعد التوصل بالإيضاحات الكتابية المشار إليها في ............، أو عند عدم الإدلاء بها بعد انصرام الأجل المحدد، إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية وذلك لطلب عزل عضو المجلس المعني بالأمر من مجلس الجماعة أو عزل الرئيس أو نوابه من عضوية المكتب أو المجلس. وتبت المحكمة في الطلب داخل أجل لا يتعدى شهرا من تاريخ توصلها بالإحالة. وفي حالة الاستعجال، يمكن إحالة الأمر إلى القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية الذي يبت فيه داخل أجل 48 ساعة من تاريخ توصله بالطلب. يترتب على إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية توقيف المعني بالأمر عن ممارسة مهامه إلى حين البت في طلب العزل .
وبالرجوع إلى المادة 21 نجدها كانت تنص على أن "كل
عضو من المجلس الجماعي تثبت مسؤوليته في ارتكاب أعمال أو أفعال مخالفة للقانون ولأخلاقيات المرفق العام، يمكن بعد استدعائه للإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأعمال المنسوبة إليه توقيفه لمدة لا تتجاوز شهرا واحدا بقرار معلل لوزير الداخلية، أو عزله بمرسوم معلل، يتم نشره بالجريدة الرسمية."
المواد 20 و21 و 76 و109 التي جاءت لتنظم حالات الانقطاع عن مزاولة المهام والامتناع عن القيام بالمهام والتغيب.
فالمادة 20 حصرت الحالات التي يعتبر فيها رئيس المجلس الجماعي ونوابه في حالة انقطاع عن مزاولة المهام في ثمان (8)
حالات وهي : 1-الوفاة؛ 2-الاستقالة الاختيارية؛ 3-الإقالة الحكمية ؛ 4-العزل بما فيه حالة التجريد ؛ 5-الإلغاء النهائي للانتخاب؛ 6-الاعتقال لمدة تفوق ستة (6) أشهر؛ 7-الانقطاع بدون مبرر أو الامتناع عن مزاولة المهام لمدة شهرين؛ 8-الإدانة بحكم نهائي نتج عنه عدم الأهلية الانتخابية.
· أما المادة 21 فأطرت المساطر الواجب اتباعها في حالة الانقطاع عن مزاولة المهام.
ففي حالة الانقطاع الناتج عن الأسباب من البند الأول (1) إلى البند السادس (6) و البند الثامن (8) من المادة 20 يحل المكتب بحكم القانون. ويستدعى المجلس لانتخاب رئيس جديد وباقي أعضاء المكتب وفق الشروط والكيفيات المنصوص عليها في القانون التنظيمي داخل أجل خمسة عشر (15) يوما
من تاريخ معاينة الانقطاع بقرار من عامل العمالة أو الإقليم.
· أما في حالة الانقطاع عن مزاولة المهام بدون مبرر أو الامتناع عن مزاولة المهام لمدة شهرين المنصوص عليها في البند السابع (7)
يقوم عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه بإعذار المعني بالأمر (رئيس المجلس أو النائب) لاستئناف مهامه داخل أجل سبعة أيام بواسطة كتاب مع إشعار بالتسلم. وإذا تخلف الرئيس أو رفض ذلك بعد انقضاء هذا الأجل، أحال عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه الأمر إلى القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية للبت في وجود حالة الانقطاع أو الامتناع داخل أجل 48 ساعة من إحالة القضية إليه. و يتم البت المشار إليه في الفقرة السابقة بواسطة حكم قضائي نهائي وعند الاقتضاء بدون استدعاء الأطراف. في حالة ما إذا أقر القضاء الاستعجالي وجود حالة الانقطاع أو الامتناع،
يحل المكتب ويستدعى المجلس داخل أجل خمسة عشر (15) يوما
من تاريخ الحكم القضائي لانتخاب رئيس جديد وباقي أعضاء المكتب وفق الشروط والكيفيات المنصوص عليها في القانون التنظيمي.
· أما في حالة امتناع رئيس المجلس الجماعي عن القيام بالأعمال المنوطة به بمقتضى أحكام القانون التنظيمي وترتب على ذلك إخلال بالسير العادي لمصالح الجماعة فقد نصت المادة 76 على قيام عامل العمالة أو الإقليم بمطالبته بمزاولة المهام المنوطة به. وبعد انصرام أجل سبعة (7)أيام من تاريخ توجيه الطلب دون استجابة الرئيس، يحيل عامل العمالة أو الإقليم الأمر إلى القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية من أجل البت في وجود حالة الامتناع. ويبت القضاء الاستعجالي داخل أجل 48 ساعة من تاريخ تسجيل طلب الإحالة بكتابة الضبط بهذه المحكمة وذلك بواسطة حكم قضائي نهائي وعند الاقتضاء بدون استدعاء الأطراف. وفي حالة ما إذا أقر الحكم القضائي حالة الامتناع،
جاز للعامل الحلول محل الرئيس في القيام بالأعمال التي امتنع هذا الأخير عن القيام بها. والملاحظ أن المشرع أناط بالقاضي الإداري صلاحية البت في حالة الامتناع وبالتالي عدم إمكانية ممارسة السلطة الإدارية لسلطة الحلول إلى بعد إثبات حالة الامتناع من طرف القضاء الاستعجالي.
كما أن التأهيل الإداري بالنسبة للجماعات الترابية لا بد أن يرتكز على إعادة توزيع السلطات بين الأجهزة المركزية من ناحية ، ووحدات الإدارة المحلية من ناحية أخرى، ومن المهم كذلك تكريس مبدأ المحاسبة على أساس النتائج المحققة وابتكار النمط التنظيمي الذي يحقق مشاركة المواطنين المنتفعين بالخدمات بطريقة فاعلة ومستمرة ، وبمعنى آخر التحرر من القوالب الجامدة للأشكال والهياكل التنظيمية ، وقبول صور من التنظيم تختلف باختلاف طبيعة النشاط ومجال العمل، ذلك أن محاولة التوحيد أدت دائما إلى قتل الحافز على الابتكار والتجديد ، وأخضعت الإدارة في قطاعات الإنتاج والخدمات لقيود وقواعد بيروقراطية حطمت الكفاءة وعطلت التفكير.
وهكذا، لا بد من التوجه نحو المسار الاستقلالي للأجهزة الإدارية المقدمة للخدمات العامة ومن بينها الجماعات الترابية وفقا للأساليب العصرية للتدبير والتسيير، وعلى هذه الأخيرة أن تعتمد وفق قواعد محددة وواضحة على قدراتها الذاتية ومواردها الخاصة في التنمية الإدارية الداخلية، بعيدا عن الاتكالية
المطلقة على سلطة ورعاية الدولة ، وهنا لا يكون بقاؤها وعطاؤها متوقفا على دعم ومعونة الدولة لها ولكن على
كفاءة أساليب عملها، وسهولة إجراءاتها ، وسلامة قراراتها ، وقدرتها على المخاطرة واستثمار الفرص وإدارة مواردها .
ومجمل القول، فإن عملية إعادة الهيكلة لأجهزة الدولة لا تعني فقط تطوير الهياكل التنظيمية، وإلغاء أو دمج وحدات واستحداث أخرى ، بل إن العملية تمتد إلى عمق الكيان الإداري الترابي المحلي بحيث تشمل ما يلي:
-تحديد الأهداف العامة والنتائج الدقيقة التي تسعى الجماعات الرتابية إلى تحقيقها على المدى المتوسط والبعيد مع رسم أو إقامة البناء التنظيمي المتناسب وتلك الأهداف والتوجهات المنشودة ، ومن ثم تكون الأجهزة والمؤسسات العاملة في خدمة هذه
الأهداف المحددة وليس العكس .
-استحداث وتنمية السياسات والاستراتيجيات التي ترشد اتخاذ القرارات في مختلف شؤون الإدارة الوطنية وتوجيه الأداء باتجاه الأهداف المحددة ، وفي إطار المعايير العلمية السليمة .
-تحديد رؤية تطويرية واضحة لمجموعة الأنظمة والقواعد المؤثرة على أوضاع وعمليات الجهاز الإداري للجماعات والعمالات والأقاليم والجهات ، وبحيث يكون تجديددها أو تحديثها متوافقا مع إمكانيات التطبيق ، ونابعا من تفهم عميق للمعوقات الموجبة لتطويرها.
-تبني التنظيمات
الإدارية القادرة على ممارسة الوظائف الإدارية الحيوية على المستوى المحلي، وفي مقدمتها وظائف التخطيط الشامل، المتابعة وتقييم الأداء، التطوير والتنمية للأفراد والنظم والأساليب.
-رسم سياسة شاملة لتكوين الأطر العاملة وحقيقة احتياجات الأجهزة، مع ضرورة استخدام معايير موضوعية في تقرير حجم العمالة بعيدا عن المجاملات
الاجتماعية والسياسية بشأن التوظيف كالتوظيف المباشر الذي كان معتمدا في إطار المادة 54 من الميثاق الجماعي (القانون 78-00) ، والتي عادة ما تنتج موقفا غير اقتصادي حيث يتراكم الأفراد في أجهزة الإدارة المحلية بشكل لا يتلاءم ولا يتعادل مع احتياجات العمل الفعلية ، الأمر الذي يرفع التكلفة ويؤدي إلى انهيار كفاءة الأداء .
-ضبط مسار الإجراءات الإدارية والمالية والفنية للنشاطات الإدارية المحلية بحيث تكون متناسبة مع معايير الأداء المحددة ومتوافقة مع الأهداف المقررة . ومن هنا يجب التوفيق بين اعتبارين أساسيين، هما : توحيد القواعد العامة والإجراءات الرئيسية بقدر المستطاع ، وتوخي الواقعية والمرونة بما يحقق الملائمة بين القواعد والإجراءات من ناحية ، وبين ظروف كل جهاز أو وحدة إدارية من ناحية أخرى .
-تدعيم قنوات الاتصال فيما بين الأجزاء الإدارية والجماعات الترابية، وتأمين تدفق المعلومات فيما بينها بدرجات متناسبة مع متطلبات الأداء "التعاوني" المتكامل.
-تدعيم قنوات الاتصال بين الأجهزة الإدارية المحلية والمجتمع، وتأمين استجابتها لاحتياجات وتطلعات المجتمع من خلال قياس مستوى الخدمات التي تقدمها والعمل المتواصل على تنمية العلاقات المتبادلة بينهما .
ومن الأسباب الموجبة لإعادة الهيكلة الإدارية وتنميتها أن الجهاز الإداري في الدولة الحديثة هو عصبها الرئيسي وأن عملية إصلاحه وتقويم خدماته وتطوير نشاطاته تصبح أمرا ملحا بل وربما واجبا، ويبرر العمل على إعادة هيكلة الأجهزة الإدارية العاملة على المستوى المحلي غياب أو عدم وضوح الأسس التي يتم بناء عليها تكوين الأجهزة والتنظيمات الإدارية المختلفة في الدولة ، من حيث التوسع أو الانكماش ، والدمج أو الإلغاء ، أو
نقل التبعية ، وبالتالي يتوالى إدخال التعديلات على التنظيم المحلي على فترات متتالية دون وجود استراتيجية واضحة تحكم هذه التعديلات المتلاحقة ، فتتفاقم المشكلات الإدارية ويصبح النظر في حجم الجهاز الإداري بغير تخطيط عام
واضح، وكذا تصاعد شكاوى المواطنين من سوء الإدارة والخدمات في مرافق الأجهزة المحلية.
وفي إطار هذه المعطيات فإن تطوير أجهزة الجماعات والجهات والعمالات والأقاليم ورفع كفاءتها وتحسين أساليب عملها يصبح من المطالب الوطنية الحيوية في ظل المستجدات الإدارية والاقتصادية المتلاحقة من أجل إحداث تغيير حقيقي جذري في تنظيماتها وأنظمتها ونشاطاتها على نحو يكفل القضاء على كل مظاهر ضعف الأداء والتسيب الإداري ، ويحقق إطلاق الطاقات لمزيد من الإنتاج والعطاء، وتحسين مستوى الخدمات ، وتوجيه موارد الدولة إلى أفضل الاستخدامات وأكثرها إنتاجية وبغية التبسيط وإزالة كل أشكال التعقيد والتداخل والتشابك التي تعيق العمل وترفع كلفة الأداء، وبالتالي تفادي ضياع الوقت والجهد والمال دونما إنتاج حقيقي فاعل وملموس وجهد حشود كبيرة متعاظمة من الأجهزة المركزية والمجالس والهيئات واللجان التي تمتص قدرات الآلالف من العاملين وتحجبهم عن المساهمة الإيجابية في الإنتاج، وهذا يتطلب بالتالي مراجعة أوضاعها ودعم الصالح منها وإعادته إلى التشغيل الفعال.
إن التنمية الإدارية على الصعيد الترابي المحلي تفرضها الحاجة لوضع ضوابط حاكمة وحاسمة للتضخم الوظيفي في الأجهزة الإدارية للجماعات والعمل على إعادة توزيع القوى العاملة بكل أبعاده المحتملة ، سواء بالنقل ، أو إنهاء الخدمة ، أو التقاعد المبكر ، أو بإعادة التدريب ، أو باستخدام الحوافز الإيجابية
والسلبية ، بما يتوافق واحتياجات العمل الحقيقية وأيضا الحاجة لوضع قواعد مالية دقيقة للإنفاق في مرافق الدولة المختلفة وترشيد الموارد المالية بما يكفل القضاء على مظاهر الإسراف، واستنزاف موارد الدولة ، وتبديد طاقاتها .
إن الأهداف العامة لإعادة الهيكلة هو العمل على إحداث نقلة تطويرية نوعية في إمكانات وتنظيم وحدات الجهاز الإداري الترابي المحلي بما يحقق الكفاءة القصوى في الأداء لمواكبة المستجدات والتطورات في حقول التنمية المختلفة، وبصورة تفصيلية أكثر ، فإنه يمكن تحديدها على النحو التالي :
-تطوير تنظيمات الأجهزة العامة في أهدافها ووحداتها الإدارية ونشاطاتها الخدماتية ، وإزالة ما بها من ازدواج أو تضارب أو غموض ، ومراعاة التناسب بين حجم المؤسسة العامة والمهام المناطة بها .
-تحسين نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين من قبل الأجهزة العامة ، عن طريق زيادة الفاعلية التنظيمية ، ورفع كفاءة أداء الأجهزة والموظفين العاملين فيها ، وتسهيل مسارات ونظم العمل المتبعة وتحسينها .
-زيادة درجات التوافق بين حجم الجهاز الإداري العام وبين متطلبات العملوظروفه من جهة ، والتوجهات المستقبلية نحو أجهزة أقل عددا وأكثر اختصاصا وأفضل أداء من جهة أخرى . ً
- تخفيض كلفة التشغيل للجهاز العام ، والتوجه نحو زيادة الفاعلية والكفاءة .
-تعزيز اللامركزية الإدارية على مستوى الأجهزة الرئيسية وفروعها ووحداتالإدارة المحلية ، مع تفويض الصلاحيات وتوزيع نشاطات واهتمامات الدولة بشكل إيجابي فاعل على مناطقها المختلفة بما يزيد من كفاءة وفاعلية الخدمات المقدمة على النطاق الداري .
إن التنمية الإدارية للجماعات الترابية تقتضي حتما المزيد من البحث والتطوير والتفعيل ومضاعفة الاهتمام بضرورة تبني منهج تقويمي ينطلق من الأداء المستهدف بالتحسين،
وينطلق من قياس نتائج الأجهزة الإدارية ، ومن قياس الخدمات المقدمة من حيث الكفاءة والجودة، بالموازاة مع التكلفة لمختلف البرامج، ففي غياب وجود مقياس حقيقي عملي تقاس به نواتج جهود التطوير وإعادة الهيكلة يصبح من الصعب الحكم على درجة النجاح المحرز .
إن هذا يعني وجوب أن ترتبط جهود التطوير بأهداف أدائية محددة ، وبتحسينفي مؤشرات أداء الأجهزة الإدارية ، وبنظام يقيس هذه الأهداف والفاعلية النهائية لعملها.
وهكذا، فالجماعات الترابية بدأت تقطف ثمار النقلة الكبيرة التي حدثت في إدارة أجهزتها الداخلية الحكومية التي تمثلت في الانتقال من المنهج التقليدي إلى منهج يقتبس الكثير من أساليب ونظم العمل المطبقة في القطاع الخاص ، والتي منها الاهتمام بالعميل ، والاهتمام بالكلفة ، والاهتمام بالإنتاجية ، وإدارة العمل الإداري بقدر كبير من الاستقلالية مع المحاسبة على الاداء النهائي ، وبتبني أنظمة للموازنة وللادارة المالية ، ولادارة الموارد بشكل عام ترتكز على الاداء المؤسسي .
فهذا المنظور لم يتغلغل بعد في عمليات إعادة الهيكلة الجارية لجهاز الإدارة المحلية سواء في الجماعات والجهات والأقاليم والعمالات. فالنقلة في جهود إعادة الهيكلة الادارية تتطلب أن يعاد تشكيل أدوار هذه الوحدات بحيث تكون رقابتها رقابة أداء، ورقابة نتائج تركز على الإنتاجية، وعلى الفعالية، وعلى الجدوى، وعلى درجة الالتزام بالضوابط والقواعد القانونية الموضوعة لهذا الغرض ذات صبغة، لأن المسؤولية
عن النتائج تتطلب إعطاء حرية للأجهزة بأن تتحرك بشكل أوسع وأكثر رحابة في مجال تطوير طرق عملها ، ووضع
النظم الداخلية الخاصة بها .
إن الدور التطويري لهذه الوحدات الإدارية يحتاج إلى المزيد من التفعيل والتعميق ، بحيث يبرز دورها في تقديم مقترحات تعيين الأجهزة التنفيذية للنهوض بأدائها وعلى تحسين نظم وآليات عملها بالشكل الذي يحقق تنمية وتحسين الاداء.
ولن يتأتى القول لوجود تنمية إدارية حقيقية إلا بتحقيق التوازن بين الأجهزة المركزية وبين وحدات الادارة المحلية على المستوى اللامركزي ، ولدعم وتعميق اللامركزية في الاداء والتنفيذ وكذا تحقيق التوافق بين اختصاصات الوحدات الادارية والقضاء على التداخل ، الازدواج ، التضارب ، الافتقار إلى التكامل وبناء وتطوير الهياكل التنظيمية والوظيفية على النحو الذي يحقق التفاعل العضوي والوظيفي بين قطاعات التنمية ، وينسق الجهود ، ويرفع الاداء ، ويخفض التكاليف وبناء مسارات عملية شمولية تكاملية متجددة لتنمية موارد الثروة المحلية ، الشيء الذي سيؤدي إلى تحديث وتبسيط مجمل أنظمة العمل وأساليب تنفيذها بما يكفل تكيفها مع الوضع المعاصر ، ومراعاتها لعوامل المرونة والعدل والإنتاج والتحفيز .
إن تدبير الموارد البشرية يجب أن يشكل الصدارة في برنامج الإصلاح الإداري ، لأنه يعتبر حاليا محط انتقادات،
ويشكل سببا لبعض العراقيل، ولكنه إن تم تطويره يوفر في ذات الوقت فرصا حقيقية لتحسين أداء المرافق العمومية بما يتناسب مع حاجيات المواطنين وتطلعات الموظفين
.
فكثيرة هي التجارب الدولية التي تبين أن الإدارة، رغم كونها مطبوعة بقوة تقاليدها وأنظمتها القانونية لم تتردد في سلك طريق التحديث والتطوير وجعل ثروتها البشرية تساهم بقوة في تحقيق التنمية ..ومثال ذلك المشرع الفرنسي الذي أوصى بإحداث مجلس وطني لتكوين الأطر الإدارية العاملة في مجال الحكاكة الترابية .
الفقرة الأولى تكوين الموظفين
إن إجراء التوظيف يكتسي أهمية خاصة، بحيث أي خطأ في التقدير في هذا المجال تكون له عواقب وخيمة وغير قابلة للإصلاح لفترة طويلة. وهذا بدون شك أولى نقط ضعف الإدارات المغربية حيث أن غياب التحليل التوقعي للمناصب والمؤهلات لا يسمح بتكوين رؤية على المدى المتوسط للحاجيات في مجال التوظيف، كما أن ضعف التحكم في التقنيات الحديثة للتوظيف وضعف المهنية لدى بعض المصالح المكلفة بتتبع شؤون الموظفين ، كلها مجالات تحتاج إلى وضع برامج إصلاحية مدعمة لتلقي أهم إشكالية تطرح في مجال تدبير الموارد البشرية تتمثل بشكل أساسي في غياب استراتيجية
واضحة تحدد الإطار المرجعي للكفاءات ونوعية التركيبة للموارد البشرية ومن تم يتحتم إيلاء العناية على الخصوص لـ:
إعادة ضبط مساطر التوظيف؛
تطوير برامج التكوين من أجل الإدماج الخاصة بالشباب الحاصل على الشهادات؛
إحداث لجان المصادقة على التداريب قبل الترسيم...إلخ .
وعليه، فإن مسألة التوظيف في الإدارات العمومية ببلادنا أثبتت محدوديتها وفشلها لاعتبارات عدة:
تحديد غير دقيق لحاجيات الإدارة: فحاجيات الإدارة تعد غير محددة بطريقة دقيقة ومستقبلية للوظائف والكفاءات، هذا يستلزم على الإدارات وضع تصور واضح ودقيق لحاجياتها الآنية والمستقبلية، وهو ما يعرف في مجال الموارد البشرية بالتدبير التوقعي. كما يلاحظ غياب برنامج على المدى المتوسط والبعيد للحاجيات في مجال التوظيفات.
مركزية عملية التوظيف: إن عملية التوظيف لا زالت من مهام الإدارة المركزية ويتمثل ذلك في التدبير المركزي للمناصب المالية مما يستلزم لامركزية بهذه العملية .
- عدم التقيد بالمباراة كوسيلة للتوظيف: إن تعقد إجراءات تنظيم المباريات جعل المسيرين يحاولون تجاوزها وعدم التقيد بهذه الوسيلة، مما يستلزم مرونة كبرى في قانون المباريات
-ضعف التحكم في وسائل وتقنيات التوظيف: إن تقنيات التوظيف (دراسة الملف، اختبار إعدادي، إجراء المقابلات)،غير متداول لدى جميع الإدارات كما أن المسؤولين عن عملية التوظيف ينقصهم التكوين والتخصص في هذا المجال.
- وضع تصور واضح للتوظيف: على الإدارات أن تتوفر على تصور واضح لهدف التوظيف، انطلاقا من أعمال انتشار الموظفين، وصياغة مرجعية للكفاءات يتم من خلالها مراعاة التكوين النظري والعلمي، وكذا المهام المطلوب القيام بها .
-صعوبة قياس المردودية
بالأنشطة الإدارية وعدم توفر معلومات كافية عن معدلات الأداء الفردي؛
-تعدد الجهات المتدخلة في تدبير الموارد البشرية وضعف التنسيق بين أجهزتها، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، حالة العلاقة ما بين الوزارة الأولى، الوظيفة العمومية، وزارة المالية، الإدارات المعنية، الجماعات المحلية والإدارة الوصية عليها.....إلخ.
-إن التسليم بأن الإدارة لا يمكن أن تكون سليمة دون خطة محكمة ومستقبلية فيما يخص احتياجاتها من الأطر ذات الكفاءات الملائمة لتطور الإدارة نفسها، وتطور مهامها، وأنشطتها، التي يجب أن تساير التحولات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. والإدارات لا ثتير هذا المشكل إلا بمناسبة مناقشة ميزانية الدولة، ولكن وزارة المالية تحث دوما على التقليص من الاعتمادات
التي يجب تخصيصها للموظفين والأطر. لذلك يتعين على الهيئة المسؤولة في الوظيفة العمومية أن تعمل بمساعدة الوزارات الأخرى على وضع برنامج محكم يرسم الحاجيات المستقبلية للإدارة فيما يخص الأطر الإدارية .
ويترتب عن غياب التحديد العلمي السليم لاحتياجات الوحدات الإدارية من الموظفين والأعوان:
- عدم معرفة الحد الأمثل من الموظفين والأعوان الذي يتناسب مع احتياجات التشغيل الحقيقية للأنظمة الإدارية المعنية؛
- عدم تناسب الموظفين المختارين مع الاحتياجات
من حيث التوجيه والإعداد .
- توزيع غير متكافئ للأعداد الموظفين على المستوى الجغرافي والقطاعي، وكذا بين مختلف المستويات الترابية للأطر.
لكل هذه الأسباب، بنبغي الاهتمام بالتكوين والتكوين المستمر للموظفين العاملين بالجماعات الترابية عبر الحرص على إشراكهم والعمل على تدريبهم.
فالتكوين بالنسبة للموظفين العموميين على المستوى الترابي شبيه بذلك الذي يخضع له المنتخبون في الجماعات الترابية، إلا في بعض الخصوصيات، ويقسم التكوين أو التدريب إلى عدة تقسيمات، وذلك إما بحسب مكان إجرائه أو بحسب نوع المتدربين أو بحسب عددهم :
o بحسب مكان التدريب:
1- التدريب داخل الإدارة: يستفيد منه عادة القادمون الجدد على الإدارة (الموظف المتمرن)، ويتم هذا التكوين تحت إشراف الرئيس التسلسلي للموظف أو رئيس المصلحة
.
2- التدريب خارج الإدارة: تتولاه المعاهد والمؤسسات الخاصة .
o بحسب نوع المتدربين:
نميز بحسب نوع المتدربين بين نوعين، المتدربين العاملين بالإدارة، والمتدربين المقبلين على العمل بها، حيث يتلقى:
1 - المتدربون المقبلون على العمل تكوينا أو إعدادا يهدف إلى تأهيلهم لمهام الوظائف التي سيشغلونها.
2- أما الموظفون القائمون بأعمالهم فيتلقون تكوينا يأخذ بعين الاعتبار التطور الذي تعرفه مناهج التدبير والتقنيات الإدارية، ويسمى هذا النوع من التكوين بالتكوين المستمر.
o بحسب عدد المتدربين:
التدريب الفردي وهو الذي يتلقاه فرد واحد إما عن طريق المراسلة ..
أما أساليب التكوين متعددة ومتنوعة ومن أهمها : المحاضرة، أسلوب مناقشة الحالة، أسلوب تمثيل الأدوار وأسلوب الندوة ...
.
الفقرة القانية تكوين المنتخبين
راهن المغرب أيضا على مسألة لا تقل أهمية عن تكوين الموظفين وهي تكتسي أهمية بالغة في مسلسل التنمية والحكامة الترابية، أي مسألة تكوين المنتخب المحلي، فقد أثبتت التجربة المتراكمة منذ إحداث الجماعات الترابية بالمغرب، أن ضعف التدبير والتسيير الذي ميز التجارب السابقة للمجالس الجماعاتية راجع في جزء أساسي منه إلى كون المنتخب والموظف المحلي كان غير مؤهل للقيام بمهامه بسبب عدم إلمامه بحقوقه، وعدم وعيه بواجباته ومسؤولياته، إلى جانب اعتبارات أخرى. وإلى نفس تلك الأسباب طبعا -وبدون شك- يرجع الاختلال البنيوي الذي يعتري منظومة الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب. وعليه فالتكوين يعتبر من بين السبل الكفيلة بتجويد الرقابة، ولتحسين أداء العمل الجماعاتي ليرقى إلى الطموحات والتطلعات. فالمطلوب من الدولة أساسا ليس هو تغيير النصوص أو تجديدها، وإنما نطالبها بنشر ثقافة جديدة عبر التكوين والتأهيل، يمكن أن نسميها، ثقافة التفاني والمصداقية وروح المواطنة. وهي ثقافة، أساسها وقوامها الشفافية والجدية والمسؤولية الطوعية. وهي توجه حاسم في استراتيجية
التنمية الشاملة في كل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية.
وعلى هذا الأساس، يعد التكوين الإداري من ضمن العناصر الأساسية لتدبير الموارد البشرية، وحلقة رئيسية لتحقيق إستراتيجية التنمية الإدارية والنهوض بالعنصر البشري على مستوى الإدارة الجماعية، وجعله يستجيب لكل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المحيط المحلي. ومن المؤكد أن العنصر البشري هو المحرك الأساسي لكل تغيير، لهذا فإن أي عملية للإصلاح الإداري ترتبط وترتكز على تأهيل الفرد والرفع من كفاءته المهنية، وتكوينه على التقنيات الحديثة بالشكل الذي يخوله أن يقوم بمهامه على أحسن وجه في فترة زمنية قياسية.
ومن هذا المنطلق أصبحت أهمية التكوين الإداري ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى، لأنها مسألة مرتبطة حاليا بالقدرة على الوجود والاستمرار في سوق المنافسة مع الانفتاح الذي تعرفه كل الدول في إطار العولمة، فالجودة وحسن تدبير الوقت أصبحا من الضروريات
في القطاعين العام والخاص.
إن عملية تطوير الإدارة الجماعية وتنمية قدرات العاملين بها هو أمر تقتضيه ظروف التنمية الشاملة للجماعات، عن طريق نهج سياسة تتسم بالإستراتيجية
في التكوين وذلك بتحويل هذا الأخير من تكوين من أجل الاستهلاك
إلى تكوين من أجل الاستثمار، أي جعل التكوين ينسجم مع المعطيات الحالية والمستقبلية للجماعات وذلك من خلال الاهتمام بالموظف الجماعي، أي إعادة تكوينه وصقل مواهبه وقدراته ومطابقتها مع مجال عمله وتخصصه، وجعل كل من سيلج الوظيفة الجماعية يمر عبر مركز للتكوين الإداري أو التقني، وبالتالي التخلي عن التوظيف بدون اجتياز مرحلة تكوينية بالمراكز المخصصة لذلك، فأغلبية الجماعات حاليا وخاصة الجماعات القروية لا يخضع أغلبية موظفيها لعملية التكوين، بالإضافة إلى ذلك لابد من تجاوز إشكالية قلة مراكز تكوين الموظفين الجماعيين وذلك بجعلها تساير التطور العددي لكل الموارد البشرية الجماعية، لهذا فقلة المراكز جعلها لا تستجيب لحاجيات الجماعات من التكوين، مما يتوجب على الوزارة الوصية تغطية هذا النقص بإحداث مركزين للتكوين، أحدهما يخصص للتكوين الإداري والثاني للتكوين التقني، على صعيد كل جهة من الجهات 12 بالمملكة، الأمر الذي سيمكن شيئا ما من تجاوز مركزية التكوين، فحاليا تظل وزارة الداخلية هي المسؤول الوحيد عن تلك المراكز على صعيد كل المجالات كتحديد البرامج التدريبية وإعداد المراكز وتجهيزها وأداء مستحقات المكونين، في حين تظل الجماعات وهي المعني الأول غائبة عن المشاركة في عملية التكوين .
نعتقد أنه حان الوقت لكي تنتفض الجماعات وتعمل وبشكل جدي إلى جانب باقي الفعاليات
الأخرى في المساهمة في بلورة خطة إستراتيجية
لتكوين مواردها البشرية، أي أن تعمل على تحديد احتياجاتها التدريبية، وتحديد البرامج الملائمة للتكوين، ومدة التكوين ومكان تنفيذ هذه البرامج إلى غير ذلك من الإجراءات، لأن الجماعات هي أدرى بالإكراهات
التي تواجهها نظرا لخصوصية كل جماعة على حدة، وبالتالي فالجماعة تبقى الكيان الوحيد القادر على تشخيص احتياجاته من البرامج التكوينية.
ومع ذلك، للأسف الشديد يلاحظ واقعيا أن ميزانيات أغلبية الجماعات لا نجدها تخصص موارد مالية للتكوين، وبالتالي يرجع مصدر التمويل الفعلي لسياسة التكوين الحالية إلى ميزانية الوزارة الوصية، ومن هنا تبرز أهمية إشراك كل الأطراف المعنيين في هذا المجال وخاصة الجماعات للتخفيف من استحواذ هذا الممول الوحيد فيما يخص كل هذه السياسة.
لهذا فعلى الجماعات، حتى يتناسب تكوين موظفيها مع واقع اللامركزية الإدارية أن تخلق شراكة فيما بينها وتؤسس مراكز لتكوين موظفيها يتم تمويلها من خلال ميزانيات هذه الجماعات المكونة للشراكة، كما أنه يجب توظيف الجانب التطبيقي أكثر من الجانب النظري بالنسبة للتكوين، لأن مجال العمل يرتبط بما هو واقعي، لهذا يمثل التكوين التطبيقي النموذج الأكثر إفادة ونفعا بالنسبة للموظف الجماعي وهذا يرتبط بضرورة تجهيز المراكز التكوينية بكل التجهيزات
الضرورية التي تسهل عملية التواصل ما بين المكون والمكون وبالتالي يتم التمرن على ما هو واقعي عوض الغوص في دروس نظرية لا تتطابق مع واقع وإكراهات العمل، وعلاوة على ذلك يجب إعطاء أهمية للتكوين التقني، خاصة وأن الأعمال التقنية تكتسي أهمية قصوى في الإدارة الجماعية، حيث تشمل مجالات حساسة كالتعمير والكهرباء والنقل، والتجهيز... ولكن الواقع الحالي أثبت أن عدد الأطر الإدارية التي خضعت للتكوين الإداري تفوق بكثير الأطر التقنية، لهذا يجب على الأقل خلق توازن في مجال التكوين الإداري بين الفئات الإدارية والفئات التقنية.
إن التكوين بنوعيه الإداري والتقني يستدعي أطر قادرة على بلورة قيمة مضافة للمتلقين، أي أن يكون المدرب متمكن من التخصص المعني به، أي قادر على خلق تواصل جيد بين المتلقين للتكوين، لهذا أصبحت تطرح ضرورة إجراء دورات تدريبية للمكونين أنفسهم حتى يسايروا الطرق والوسائل الجديدة في هذا المجال، كما يجب تحفيز الأساتذة المدربين من خلال تخصيص تعويضات مهمة تتناسب مع المجهودات التي يبدلونها.
وإضافة إلى ما سبق يجب ربط التكوين بالتحفيز ، خاصة على مستوى التكوين المستمر ، فما يلاحظ هو غياب الاهتمام والرغبة في إجراء التكوين، لأنه لا يرتبط بأي حافز مادي، لهذا يجب أن يقترن التكوين بالترقية، حتى يتم تشجيع الموظفين للإقبال عليه، وتوليد الرغبة لديهم في التحصيل، كما أنه يجب الاهتمام بالمدة المخصصة للتكوين، أي جعلها كافية لإكمال كل البرامج التدريبية.
وفي الأخير، نعتقد أنه ينبغي الموازنة بين حقوق المنتخب وواجباته حتى يضطلع بالمهام المنوطة به في مجال الحكامة الترابية في سبيل تحقيق التنمية المنشودة.
خلاصة القول، نستنتج أن مشكل الموارد يعتبر كذلك من بين المشاكل التي تؤثر على ميزانيات الجماعات الترابية و تحد من قدرتها على التمويل الذاتي للمشاريع الخاصة بها. فالنصيب الأكبر من ميزانياتها
يذهب إلى مصاريف التسيير و أداء رواتب موظفين فائضين عن الحاجة في بعض الجماعات الترابية الكبرى، رغم وجود جماعات في مناطق أخرى في حاجة إلى تلك الطاقات لضمان جودة التدبير اليومي لخدماتها المقدمة للمرتفقين، و قد أشار المجلس الأعلى للحسابات لهذا المشكل الذي يؤثر على جودة أداء جل المؤسسات العمومية. إن استنزاف مصاريف التسيير للميزانية لا يحد من القدرة الاستثمارية للجماعات الترابية فقط، بل، يتعداها إلى قدرتها على تلبية انتظارات الساكنة المحلية. هذا الوضع الشاد يضعها بين خيارين: إما البحث عن الشركاء الاقتصاديين و الاجتماعيين،
أو الاقتراض. في حالة تعدر ذلك، تكون مضطرة للتخلي عنها و الرضوخ للأمر الواقع، مما يؤدي إلى خلق تفاوتات تختلف حدتها من منطقة إلى أخرى على جميع المستويات. إذ أن، مداخيل الضرائب المحلية بالنسبة لبعض الجماعات ضعيفة جدا و بعضها معقد و صعب الاستخلاص. في حين، أن هناك جماعات ترابية أخرى تعاني من الخصاص في الموارد البشرية في هذا المجال، ما يحول بينها وبين الاستغلال
الأمثل لوعائها الضريبي. مما يحتم إلزامية، عقلنة تدبير الموارد البشرية، مع ضرورة العمل على استخلاص كافة الموارد الضريبية الممكنة مهما كانت الصعوبات التي تحول دون ذلك.
كما أن نهج المقاربة التشاركية في تدبير الشأن المحلي من ضروريات المرحلة، ليدلي كل مواطن بما لديه و إطلاع الجميع بالقدرات التمويلية المتوفرة، لبناء أرضية تمكن من الاستغلال الأمثل للمتوفر من الموارد. و ذلك بالإعلان عن الدورة المزمع تنظيمها مع دعوة الساكنة للحضور لها و إدراج نقطة مداخلات العموم في جدول الأعمال لمناقشة اقتراحاتها. كما أن انخراط الجماعات المحلية في مبادرات التشغيل في ظل الأزمة الراهنة التي يتخبط فيها القطاع، يطرح نفسه بإلحاح. على اعتبار أن المنتخبين هم الموجودون
في احتكاك يومي مع الأطر العليا و المجازين. لهذا وجب التفكير في أنشطة اقتصادية حتى و إن كانت مؤقتة،يمكن
للجماعة أن تساهم فيها كشريك فاعل ، تتسم بالنجاعة المالية، تستجيب للحاجيات المحلية و الوطنية، و تمكن من تشغيل اليد العاملة الحاصلة على مختلف الشواهد و الديبلومات.
وعليه، فإن أية سياسة رشيدة تتوخى المنفعة العامة على المستوى المحلي و الجهوي يجب أن تخضع لآلية التنسيق و التشاور من اجل حكامة محلية بين الأجهزة المنتخبة و الوحدات الترابية المتمثلة في العمالات و الأقاليم ، والولايات ، و يهدف هذا النهج السياسي إلى احترام الاختصاص كل في مجاله المنظم بمقتضى القوانين و التشريعات
بما يسمح إنجاح عملية التشاور و التنسيق في مختلف العمليات التي تهدف وضع مخطط أو انجاز أعمال أو رؤية إستراتيجية على المدى البعيد ، أن مناط المسؤولية في التنمية ليس حكرا على الجماعات المحلية ، و إنما أيضا هي مسؤولية مشتركة تتحمل الوحدات الترابية جزءا منها ما يقتضي أن تخضع العلاقة بينهما لمنطق المنفعة العامة و ترشيد الفعل السياسي المحلي و الجهوي ، يعبران عن صدق الإدارة و المرفق العمومي ، اللذين و ضعا لخدمة تفعيل سياسة القرب و خدمة المواطن .
إلى جانب ذلك، فأن الوحدات الترابية التي تمثل المركز عليها ألا تكون تعبيرا عن السلطة و الردع على المستوى المحلي بل أن تكون احد الشركاء في العملية التنموية، و أحد أعمدة الدولة في استتباب الأمن و الاستقرار الاجتماعي ، و احد المخاطبين الرئيسيين في التشارك و التشاور و التنسيق ، من اجل وحدة منسجمة متناسقة مؤتلفة على هاجس و حيد وشعار وحيد من اجل تنمية مستدامة تشاركيه بين الأجهزة المحلية و بأقل تكلفة ممكنة.

