مدى صحة إضفاء الطابع الإداري على عقد الصفقة العمومية المبرمة من أشخاص القانون الخاص
ذ. عبد الحق الحطاب
باحث في الشؤون القانونية
حرص
المشرع المغربي عند إقدامه على إصدار القوانين على وضع قواعد تأطيرية يهتدي إليها
المتقاضين و تتبعها المحاكم المكلفة بالفصل في منازعاتهم. و استنادا على ذلك، ميز
بين نوعين من الاختصاص: الاختصاص النوعي و الاختصاص المحلي.
و
إذا شئنا تنزيل المقتضيات التي سنها القانون الوضعي للتقيد بها في مجال عقد الصفقة
المبرمة من طرف شخص ينتمي إلى القانون الخاص، يمكن القول بأن هناك نقصا مهولا في
القوانين والمراسيم المنظمة للصفقات العمومية يضع المرء أمام تساؤل جوهري يتمثل في
ما يلي: لماذا تحاشى المشرع حصر العقود التي تختص المحاكم الإدارية للبت في
الخلافات الناشئة عنها ؟
الأكيد
أن الإجابة قد لا تطرح أي مشكل بالنظر إلى توفر عقد الصفقة على المعايير المتطلبة
فقهيا و قضائيا لتكييفه بالعقد الإداري و هي:
-أن
تكون الإدارة طرفا فيه
-أن
يتعلق بالمرفق العمومي
-أن
يشتمل على شروط استثنائية وامتيازية غير مألوفة في العقود الخاصة.
صحيح
أن الفقه بمعية القضاء في المغرب قد دأبا على تعداد عقد الصفقة العمومية ضمن خانة
العقود الإدارية بالطبيعة التي ينعقد الاختصاص النوعي فيها للمحاكم الإدارية منذ
دخول القانون رقم 41-90 المحدث لها حيز التنفيذ.
مثلا,
جاء في قرار المجلس الأعلى سابقا رقم 1297 المؤرخ في 29 دجنبر 2004, ملف إداري عدد
2756-4-1-2004 ما يلي: " و حيث يتبين من الاطلاع على الوثائق المدلى بها و
مما عرض و نوقش أن القضية تتعلق بعقد توريد ربط بين المدعي المستأنف عليه و بين
مصلحة الوقاية المدنية و ذلك قصد توريدها بمجموعة من لوازم المكتب التي تستعمل في
تسيير المرفق العام الذي تديره باعتبارها شخصا من أشخاص القانون العام و هو ما
يجعل العقد الرابط بينهما عقدا إداريا الهدف منه ضمان السير العام للمرفق العمومي
و أن الحكم المستأنف عندما لم يراع مسألة الاختصاص النوعي يكون قد خرق مقتضيات
الفصل 8 من قانون 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية الذي يعطي الاختصاص للبت نوعيا في
مثل هذه النوازل للمحاكم الإدارية ".
إن
نظرة المحاكم الإدارية للإقرار بانعقاد الاختصاص النوعي لها في عقود الصفقات
العمومية تبقى سطحية لأنها تهتم بالجانب المرتبط بالمصلحة العامة و بالمال العام
دون الاكتراث بصفة الشخص الذي أبرمها و بدون الالتفات إلى طبيعة تصرفاتها أو إلى
المركز القانوني للطرف المتعاقد معها الذي تحكمه قواعد حمائية خاصة.
و
إذا كانت المحاكم الإدارية تعتمد على المادة 8 من القانون رقم 41-90, فإن تسليمها
البديهي باختصاصها نوعيا للبت في النازلة يبقى محط نقاش للأسباب الآتية:
-إن
المشرع المغربي لم يعط أي وصف لعقد الصفقة تاركا المسألة برمتها للفقه والقضاء من
أجل السماح لهم بالتنقيب عن ماهيته الحقيقية حسب الملابسات المحيطة بكل نازلة على
حدة.
وهكذا,
فإننا ننادي بضرورة هجر الفكرة الطاغية التي مفادها عدم التفرقة بين العقود
الإدارية و العقود الأخرى, لأنه بالاطلاع على مختلف الأحكام التي أصدرها القضاء
العادي بهذا الشأن و التي صرح فيها بعدم اختصاصه نوعيا في الطلب, نجده غالبا يكتفي
بترديد عبارة {أن النزاع يتعلق بصفقة عمومية و هي عقد إداري} أو {أن النزاع منصب
حول عقد إداري} دون أن يبحث في طبيعة العلاقة المطروح أمر تكييفها عليه, و هل
تستوفي مقومات العقد الإداري أم لا سيما الشروط غير المألوفة.
أما القضاء الإداري, فإن موقفه لا يختلف عن موقف
القضاء العادي, إذ أنه بدوره لم يكلف نفسه عناء التأصيل القانوني لاختصاصه للبت في
هذا النوع من المنازعات و كأن المسألة لا تحتاج إلى نقاش أو تعليل و غالبا ما
يتبنى بدوره نفس العبارات لبرير اختصاصه .
-إن
المشرع المغربي لم يحدد بصفة مضبوطة طبيعة عقد الصفقة العمومية, و الرأي القائل
بأنه عقد إداري بالطبيعة مردود عليه, فلو كان فعلا كذلك لتم إخضاعه صراحة للمحاكم
الإدارية إسوة ببعض التشريعات المقارنة كالقانون المصري رقم 9 الصادر سنة 1959
الذي أشار في مادته الخامسة إلى ما يلي: " تفصل محكمة القضاء الإداري في
المنازعات الخاصة بعقود الالتزام و الأشغال العامة و عقود التوريد الإدارية
".
و
الدليل على صواب ما نذهب إليه إجمالا يجد مصدره في كون عقد الصفقة ذو طبيعة مختلطة
من زاوية أطرافه, أحدهما ينتمي إلى أشخاص القانون العام (الإدارة) و الآخر تسري
عليه أحكام القانون الخاص (المقاول).
وبهذا
الصدد, قد يسعفنا لفظ " العقود الإدارية " المنصوص عليه في المادة 8 من
القانون رقم 41-90 لنفي استئثار المحكمة الإدارية بمفردها للبت في النازلة, بحيث
يحتمل أن يكون أرضية خصبة لقيام فرضية انعقاد الاختصاص نوعيا لمحاكم القانون الخاص
مستحضرين التجاذب المطول حول المدلول المراد من عبارة " العقود التجارية
" الواردة في القانون المحدث للمحاكم التجارية و المتمخض عنها إلى جانب
المادة 4 من مدونة التجارة انقساما في حسم انعقاد الاختصاص القضائي بين المحاكم
المدنية تارة و بين المحاكم التجارية تارة أخرى.
و
في اعتقادنا الشخصي, لا يسوغ إضفاء تسمية عقد إداري على أية علاقة تعاقدية إلا في
ظل استجماعه للشروط الثلاثة المتفق عليها فقهيا و قضائيا. و ما دام عقد الصفقة لا
يعد إداريا بقوة القانون, فإن الدفع بعدم اختصاص المحكمة الإدارية للبت نوعيا في
النازلة جائز.
و
قد حان الأوان لمراجعة القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية فيما يخص مادته
الثامنة. و لتفادي أي لبس أو تأويل, نأمل أن يكون للائحة العقود الإدارية (في حالة
تحديدها من طرف المشرع) إيجابيات محمودة تترجم على صعيد التخفيف من عبء ضغط
الملفات المتراكمة على رفوف المحاكم و على صعيد التقليل من هامش الطعون و الدفوعات
المثارة التي تجر إلى تعطيل الحقوق والمصالح.

